بعثتْ لي برسالة على الجوال تطلب مني أن تحادثني، طبعا أعرفها وهي تعرف اسمي لكن لم يسبق لنا التقاطع في أي ممر في الحياة، كانت تود الاستفسار عن دار نشر لأنها انتهت من كتابة كتاب وتود أن تبدأ بإجراءات نشره، سألتها عن نوع الكتاب حتى أعرف عن أي ناشر تبحث، وطلبتُ منها أن تبعثه لي إن لم يكن لديها مانع.
جاءني النص كملف على الإيميل وبدأت القراءة.. لم أترك الكتاب إلا عند آخر صفحة...
إنها هتون قاضي والكتاب هو 1980 وقد انتهى الأمر واختصرت القصة واقترحت على هتون أن أقوم أنا بنشره، دائما آخذ موضوع الكتب على محمل شخصي، النص الذي أحبه وأقع في غرامه لا أستطيع أن أمنع نفسي من تخيّله مرسوماً ومصمماً ومطبوعاً، أعرف تماماً ماذا أقول عنه ولم أراه يُشكّل إضافة لرفوف مكتباتنا العربية، في كتاب هتون كنت أشعر بأكثر من ذلك، كنت متأكدة من أنني معنية بالأمر، وأن هتون لم تكن تحكي عن نفسها وحياتها فقط، بل كنت أنا حتماً مختبئة بين كثير من السطور وعشت معها كثيراً من الحكايات.
هتون قضت طفولتها في مكة وأنا قضيت طفولتي في الخبر، رغم أن جدة تجمعنا الآن، ولكنني كنت أشعر كأننا قضينا طفولتنا معاً، رباه! كيف يمكن أن تتشابه القصص والتفاصيل والأسئلة والدموع والدهشة، كيف نتشارك تاريخاً كاملاً بكل أسراره وخباياه ومعانيه بدون أن نحتاج لأن نقوم بأي كشف أو حوار؟!
طبعاً لم نكن نحن الاثنتان فقط من تقفان على ذات خط الزمن، جيل كامل أنظر إليه وأنا أشعر بالانتماء، نغني معا رهيب والله رهيب ونتفرج على جزيرة الكنز، نأكل حلاوة بقرة ونستمع لنفس الأناشيد الإسلامية، نتبادل الأوتوغرافات ونجمع التبرعات ونلبس ذات الموديلات ونقرأ مجلة ماجد.
بلغة جميلة، رصينة ووادعة محمّلة بالكثير من المشاعر والمعاني والقصص والحكايات والضحكات وثقّتْ هتون عبر مذكراتها وسيرة حياتها لمرحلة زمنية مهمة جداً في تاريخ المجتمع السعودي، وفي ظل ما نعيشه الان من تغييرات متسارعة وكبيرة على جميع المستويات، فإن تذكّر وكتابة مرحلة بكل تفاصيلها الصغيرة والمفصلية يبدو أمراً واجباً وضرورياً.
من أكثر ما أراه مميزاً في كتاب 1980 أن نبرته كانت محملة بالشجن والذكريات والهدوء والحنين والروح الضاحكة المحبة للدنيا، لم تكن لغته غاضبة ولا ناقمة رغم أننا جيل قد رأى وتربى بين أيدولوجيات ورؤى أضيق مما يعيشه ابناؤنا الآن، وفرصاً محدودة مقارنة بما لدى طلابنا اليوم.
بقي أن أقول، شكراً هتون على كم الأسرار والأفكار التي شاركتها معي ومع كل القراء عبر صفحات الكتاب، وشكراً لأنك جعلت قلبي يهتف معك ومع جيل نهايات السبعينات والثمانينات - بدون أي ندم وبمنتهى الفخر:
ها نحن ذا... على دروب كنزنا...
د. أروى خميّس
يناير 2020
Tags: هل وصلنا للكنز؟
Write a comment