الفن لا يجزّأ، في هذا السياق يقول مارتن سالزبيري في كتابه كتب الأطفال المصوّرة -فن السرد القصصي المرئي " إن أفضل كتب الأطفال المصورة وأكثرها خلوداً تلك التي تبدو وكأنها معرض لوحات فني مصغّر، تلك الكتب تجمع ما بين المفهوم العميق والحس الفني والتصميم المتميّز والإنتاج المناسب، هذه الكتب تحفّز خيال كل من الصغار والكبار"
في عالمنا العربي لم تبدأ هذه النظرة التي تجمع بين الأدب والفن في كتاب الطفل إلا متأخراً، خاصة إذا علمنا أن أدب الطفل لم يصنف كجنس أدبي أصلا في البلاد العربية إلا منذ زمن قصير – هذا في أفضل أحواله وأكثرها تطلعاً.
أنا أكتب القصص ولكنني أستمتع بالرسم الجميل الموحي والمليء بالمعاني، الرسم ليس شيئا موضّحاً للنص المكتوب ولكنه جهد الرسام في تفسير النص بطريقته الخاصة، هو مشاركته الشخصية في رواية شيء من تفاصيل القصة، هو تلك التأويلات لما سكت عنه النص أو أشار له بطرف خفي.
دوماً أنتظر من الرسام أو من الرسامة نموذجاً من رسمهما لجزء مما قرآه من النص، ولطالما شعرت بالدهشة وملئني التساؤل: كيف يعمل عقل الرسام؟ كيف يرى كل هذه المشاهد في رأسه ويعبر عنها بكل هذه الخطوط والألوان والأشكال؟ خاصة أن الصور تتشكل في ذهني بالحروف والكلمات وبعض المشاهد وكثير من المشاعر، كيف يمكن أن تضفي رؤى الرسامين والفنانين على المعنى بعداً وعمقاً آخر؟ وتبدأ الأسئلة تتلاحق في رأسي كطفلة مندهشة..
أنماط الرسم كثيرة لا تعد ولا تحصى، ويمكن تجريبها كلها في الكتب دون قيد، في كتب دار أروى العربية جربنا الرسم المائي ، الديجتال ، الزيتي، الكولاج ، التطريز الرسم بالأسود والأبيض ، التشكيل بالبيبر ماشيه ، التصوير ، ولعلنا حتى وقت نشر هذا المقال نكون قد جربنا أنماطاً أخرى لم أذكرها هنا، لكن تظل فكرة أن يتعرض الطفل لكل هذا الجمال والتعدد اللغوي والفني فكرة جاذبة ومغرية..بل ونبيلة جدا.
أشعر أنني معنية بالانتصار لكتّاب أدب الأطفال باعتباره جنس أدبي له وزنه ولرسامين كتب الأطفال بأنماطهم المختلفة باعتبارهم ممن يضيفون كثيرا من الجمال والمعنى على حياتنا وحياة أطفالنا.
بقي أن أتحدث على من يجمع كل ذلك معاً، على من يبدأ معنا منذ البداية بدءا من اختيار حجم الكتاب ونمط الرسم ونوع الخط وحجمه وتنسيق النص وطريقة ظهوره في كل صفحة، المصممين الذين يضعون اللمسة الأولى على العمل ويكملونه حتى اللمسة الأخيرة، اللذين ينظرون إلى الكلمات دون أن يقرأوها، وحقا لست أعرف كيف بإمكانهم فعل ذلك، فالكلمات وترتيبها في الصفحة بالنسبة لهم "شكل" يساهم في إعطاء المعنى، اتحاداً مع الرسم واللون والفراغ والشعور الذي يفرضه النص،وكأن شخصية النص تتغيّر تماما حين يُرسم، ويتم وضعه في قالب معتنى به، فهل يصبح النص أكثر بلاغة ..عمقا..تفاعلا مع الحواس؟ لا أدري، ولا أدري إن كانت هذه العناية تسلبه معناه الأصلي، كل ما أدريه أنني أحب ذلك التمازج اللغوي الفني الفاتن، فهل هناك جنس أدبي آخر يجمع كل هذه الفنون معاً بهذا الاحتراف؟ فن الحرف مع فن اللون ، الخط والشكل، اللغة والصورة، المعنى والشعور..وبما أن كتب الأطفال – كما أقول دائماً- هي ليست للأطفال فقط، بل هي باب الأدب الخلفي على حديقة مدهشة، فإن أفضل تسمية لهذا النوع منها-كما يسميه مارتن سالزبيري- هو: فن السرد القصصي المرئي.
د.أروى خميّس
١٣/أكتوبر/٢٠٢١م
Write a comment