لطالما قلت إن كتب الأطفال هي باب الأدب الخلفي على حديقة مدهشة، في هذه الحديقة كثير من الورود الملونة والأشجار والنخيل، نحل ويعاسيب وفراشات... وربما أرنب صغير يقفز ويتوارى بين الخس إن كان هناك خس...
أنظر إلى أرض الحديقة الكثير من الدود والخنافس والدعاسيق...
لنتخيل أن هذا الباب يقع في خط الزمن فيفتح على قصص وكتب شتى، كتب لها رائحة الزهور كرواية الحديقة السرية وكتب تشبه الأشجار بأغصانها الكثيرة المتشابكة كعالم صوفي أما النحل واليعاسيب والفراشات فتبدو كليلى الحمراء وسندريلا وهانسل وغريتل...
بالطبع الكتاب الأرنب هو كتاب أليس في بلاد العجائب، وقبل أن أسترسل في خيالاتي وحدائقي أتساءل؛ كيف يمكن لباب القصة أن يفتح على التاريخ؟ بل أليس من المدهش أن نجد كل مرة عند باب التاريخ قصة وكتاباً؟
لطالما كان الأدب أحد المتغيرات المتأثرة بشدة بأي ظرف سياسي أو اجتماعي، وأدب الطفل أحد أبواب الأدب المشرعة على المجتمعات، وبإمكاننا تتبع ذلك ورؤية تأثيره في عدد من الأعمال على مستوى العالم، سنندهش حين نربط القصة مع أحداث التاريخ وحين نكتشف ذلك الخيط بين أحداث القصة والظروف الاجتماعية السائدة، وسنعلم وقتها أن القصص والحكايات توثّق للتاريخ الاجتماعي ولأمزجة الناس وتحكي حكاياتهم.
مثلاً جزيرة الكنز -وهي رواية ظهرت ١٨٨٣ للكاتب الأسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون-ظهرت الرواية حين كانت الإمبراطورية البريطانية تسيطر على عدد من المستعمرات وعلى طرق التجارة والملاحة البحرية، كانت مغامرات البحارة وسرقاتهم وبطولاتهم شيء يعيشه الإنجليز في ذلك الزمن.
قصة هانسل وجريتل وهي قصة شعبية -ظهرت في أوروبا في العصور الوسطى ثم دوّنها الإخوان جريم في كتابهم الشهير فيما بعد- حيث حدثت وقتها مجاعة عظيمة دفعت الناس للقيام بإجراءات مستميتة للبقاء أحياء كالتخلي عن أطفالهم، بل والتغذي على البشر، ألا يفسر ذلك رغبة الوالدين في التخلي عن أبنائهم وتركهم في الغابة؟ فأن يتم افتراسهم من قبل حيوانات الغابة أقل وقعاً من أن يأكلهم شخص جائع أمام والديهم! والقصة لم تنته هنا بل هذا يفسر سلوك الساحرة التي أرادت أن تطبخ الطفلين وتأكلهما، الساحرة لم تكن شريرة، الساحرة كانت جائعة فقط.
أذكر أنني حين كنت في رحلة إلى ألمانيا وكنا في زيارة لبعض قرى الألب القديمة، قالت المرشدة السياحية: "هنا منطقة زراعة منبسطة حيث كان المزارعون في العصور الوسطى يحوطونها بالأسلاك الشائكة حتى لا تدخل الضفادع من البحيرة القريبة وتأكل المزروعات، لكن الضفادع كانت تعلق بين الأسلاك فيأتي الأطفال ويخلصونهم"
إذن، أحد هذه الضفادع -والتي كانت تثير الحزن في نفوس الأطفال وبعض سكان هذه المنطقة حين تنحبس بين الأسلاك- هو الأمير الذي تحول إلى ضفدع...! ذلك يفسر الكثير خاصة لو علمنا أن الأخوان جريم جمعوا حكاياتهم من أفواه جدات هذه القرى.
ذلك البعد الذي يوثق للكثير من أحداث التاريخ يكشف نفسه لنا حين نحاول أن نقرأ القصص بطريقة عميقة ونجد الروابط بين الأحداث ونستخلص صورة تؤول أحداث القصة أكثر من تأويل...
وماذا عن أرنب أليس في الحديقة؟ لماذا هو هنا؟ وسندريلا من أي بعد جاءت؟
اقرأوا القصص وانظروا لكل ما حولها... ثم انظروا للصورة كاملة، ستدركون... وستسطع الشمس وستنير لكم زوايا كل الحديقة.
د. أروى خميّس
Tags: الحديقة الخلفية
Write a comment